06 يوليو 2025 | 11 محرم 1447
A+ A- A
خطبة الجمعة

خطبة الجمعة ليوم بعد غد 9 ربيع الآخر 1441هـ - الموافق 6 / 12 / 2019م المذاعة والموزعة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعنوان: مُكَافَحَةُ الْفَسَادِ

04 ديسمبر 2019

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 9 من ربيع الآخر 1441هـ - الموافق 6 / 12 / 2019م

مُكَافَحَةُ الْفَسَادِ

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

عِبَادَ اللهِ:

لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ بِالْإِصْلَاحِ، وَهَدَفَ إِلَيْهِ فِي شَرَائِعِهِ وَأَحْكَامِهِ كَافَّةً، كَمَا حَارَبَ الْفَسَادَ بِمُخْتَلِفِ مَجَالَاتِهِ وَأَنْوَاعِهِ؛ فَحَارَبَ فَسَادَ الْعَقَائِدِ وَالْأَخْلَاقِ، وَحَارَبَ فَسَادَ الْعَادَاتِ وَالتَّشْرِيعَاتِ وَالْأَعْمَالِ.

وَلَقَدْ أَصْبَحَتْ كَلِمَةُ الْفَسَادِ الْيَوْمَ عَلَمًا عَلَى اسْتِغْلَالِ الْمَنْصِبِ لِتَحْقِيقِ الْمَنْفَعَةِ الْخَاصَّةِ.

وَإِنَّ مِنْ أَبْرَزِ مَظَاهِرِهِ: الرِّشْوَةَ وَمُحَابَاةَ الْأَقَارِبِ، وَالِاسْتِطَالَةَ عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ؛ فَحِينَ يَسْتَغِلُّ الْمُوَظَّفُ وَظِيفَتَهُ لِطَلَبِ الرِّشْوَةِ يَكُونُ فَاسِدًا، وَحِينَ يُحَابِي الْمَسْؤُولُ أَقَارِبَهُ أَوْ جَمَاعَتَهُ فَيُقَدِّمُهُمْ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ يَكُونُ فَاسِدًا، وَحِينَ تَمْتَدُّ يَدُ الْإِنْسَانِ إِلَى الْمَالِ الْعَامِّ بِدُونِ اسْتِحْقَاقٍ وَسَبَبٍ مَشْرُوعٍ يَكُونُ فَاسِدًا )وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ( [المائدة:64].

أَلَا وَإِنَّ لِلْفَسَادِ أَضْرَارًا كَبِيرَةً عَلَى الدَّوْلَةِ وَالْمُجْتَمَعِ؛ فَمِنْ أَضْرَارِهِ الِاقْتِصَادِيَّةِ: تَضْيِيعُ الْأَمْوَالِ، وَتَبْدِيدُ الثَّرَوَاتِ، وَانْتِشَارُ الْفَقْرِ وَالْبِطَالَةِ، وَتَعْطِيلُ التَّنْمِيَةِ. وَمِنْ أَضْرَارِهِ السِّيَاسِيَّةِ: انْتِقَاصُ سَيْطَرَةِ الدَّوْلَةِ وَإِضْعَافُ هَيْبَتِهَا. وَمِنْ أَضْرَارِهِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ: إِفْسَادُ التَّعْلِيمِ وَالصِّحَّةِ وَالْقَضَاءِ، وَانْهِيَارُ خُلُقِ الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ، وَانْتِشَارُ الْكَذِبِ وَالْحِيَلِ وَالْخِيَانَةِ.

إِخْوَةَ الإِسْلَامِ:

إِنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ وَهُوَ كِتَابُ الْهِدَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ حَرَّمَ الْفَسَادَ وَذَمَّ أَهْلَهُ، وَبَيَّنَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَلَا الْمُفْسِدِينَ، فَقَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: )وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ( [البقرة:205] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: )إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ( [القصص:77]، وَكَذَلِكَ أَخْبَـرَ فِي مُحْكَمِ آيَاتِهِ، وَبَيِّنَاتِ عِظَاتِهِ: أَنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لِلْمُتَّقِينَ وَلَيْسَتْ لِلْمُفْسِدِينَ؛ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: )تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ([القصص:83]. وَلَا شَكَّ أَنَّ مَفْهُومَ الْفَسَادِ فِي الْقُرْآنِ يَشْمَلُ كُلَّ مَعْصِيَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ قَتْلٍ وَزِنًى وَغَيْرِهِمَا، وَكَذَلِكَ يَشْمَلُ اسْتِغْلَالَ الْمَنْصِبِ بِالرِّشْوَةِ، وَسَرِقَةِ الْمَالِ الْعَامِّ، وَمُحَابَاةِ الْأَقَارِبِ.

وَلَقَدْ أَشَارَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ إِلَى فَسَادِ الْقَضَاءِ حِينَ تَنْتَشِرُ فِيهِ الرِّشْوَةُ؛ لِتَبْدِيلِ الْأَحْكَامِ وَهَضْمِ الْحُقُوقِ؛ فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ([البقرة:188]. وَأَشَارَ إِلَى فَسَادِ عُلَمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ حَرَّفُوا أَحْكَامَ الدِّينِ وَتَلَاعَبُوا بِشَرَائِعِهِ رُكُونًا إِلَى الْمَالِ الْحَرَامِ؛ فَقَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: )فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ( [الأعراف:169]. وَتَكَلَّمَ عَنْ فَسَادِ أَوْلِيَاءِ الْيَتَامَى الَّذِينَ يَسْتَغِلُّونَ سُلْطَتَهُمْ عَلَى الْأَمْوَالِ فَيَأْكُلُونَهَا بِغَيْرِ وَجْهِ حَقٍّ؛ فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ( [البقرة:220].

أَيُّهَا الـمُسْلِمُونَ:

وَفِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ نَجِدُ نُصُوصًا وَمَوَاقِفَ فِي مُكَافَحَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَسَادِ، وَذَمِّهِ لَهُ: فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ، قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا؟!«. ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: »أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ؟! وَاللَّهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ« ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطِهِ، يَقُولُ: »اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟». فَقَدْ عَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدِيَّةَ الَّتِي قُدِّمَتْ إِلَى عَامِلِ الصَّدَقَةِ ضَرْبًا مِنَ الرِّشْوَةِ؛ إِذْ لَيْسَ لَهَا سَبَبٌ سِوَى أَنْ يُسْتَمَالَ بِهَا قَلْبُ عَامِلِ الصَّدَقَةِ؛ لِيُحَابِيَهُمْ فِي أَخْذِ الصَّدَقَاتِ وَيُخَفِّفَ عَنْهُمْ فِيهَا.

وَفِي مَوْقِفٍ آخَرَ نَجِدُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَمْنَحُ الْمَنَاصِبَ وَالْوِلَايَاتِ لِمَنْ طَلَبَهَا وَحَرَصَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحِرْصَ عَلَى الْمَنْصِبِ مَظِنَّةُ حُبِّ النَّفْسِ لَهُ وَعَدَمِ اسْتِشْعَارِ الْمَسْؤُولِيَّةِ؛ فَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَمِّي، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلَّاكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّا وَاللَّهِ لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِيمَانًا بِهِ وَتَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( [الحشر:18].

عِبَادَ اللهِ:

إِنَّ مُكَافَحَةَ الْفَسَادِ وَمُحَارَبَتَهُ وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ مَسْؤُولِيَّتُنَا جَمِيعًا عَلَى اخْتِلَافِ مَنَاصِبِنَا وَمَوَاقِعِنَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ، وَإِنَّ مِنْ مُقَرَّرَاتِ الْإِسْلَامِ وَشَعَائِرِهِ: إِنْكَارَ الْمُنْكَرِ وَالنَّهْيَ عَنْهُ؛ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ« [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t].

وَإِنَّ مِمَّا يُكَافَحُ بِهِ الْفَسَادُ: تَرْبِيَةَ النُّفُوسِ عَلَى قِيَمِ الْأَمَانَةِ وَالنَّزَاهَةِ، وَمُرَاقَبَةَ اللهِ تَعَالَى فِي الْقِيَامِ بِوَاجِبِ الْوَظِيفَةِ أَوِ الْمَنْصِبِ؛ فَإِنَّ الْقِيَامَ بِحَقِّهِمَا مِنَ الْأَمَانَةِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ حِفْظَ الْأَمَانَةِ وَأَدَاءَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ مِنْ صِفَاتِ الْإِيمَانِ وَخِصَالِ التَّقْوَى؛ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْمُؤْمِنِينَ: )وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ( [المؤمنون:8]. وَلَمَّا طَلَبَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ عَلَى عَمَلٍ، حَذَّرَهُ وَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَعْمَالِ وَالْمَنَاصِبِ مِنَ الْأَمَانَةِ الَّتِي يُسْأَلُ عَنْهَا الْمَرْءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: »يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا « [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

أَيُّهَا الـمُسْلِمُونَ:

إِنَّ اسْتِحْلَالَ الْمَالِ الْعَامِّ وَالتَّسَاهُلَ فِي أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ مِنْ أَكْبَرِ أَبْوَابِ الْفَسَادِ، وَقَدِ اعْتَبَرَتِ الشَّرِيعَةُ التَّعَدِّيَ عَلَيْهِ مِنْ أَكْبَرِ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: »إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ « [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] وَمَعْنَى يَتَخَوَّضُونَ: يَتَصَرَّفُونَ، وَفِيهِ تَحْذِيرٌ لِمَنْ يَتَوَلَّى مَسْؤُولِيَّةً عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا بِغَيْرِ وَجْهِ حَقٍّ. وَإِنَّ مِنْ تَعْظِيمِ حُرْمَةِ الْمَالِ الْعَامِّ: أَنْ أَضَافَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اللهِ تَعَالَى، فَسَمَّاهُ مَالَ اللهِ؛ إِشْعَارًا بِحُرْمَتِهِ.

وَإِنَّ لَنَا فِي سِيرَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ دُرُوسًا وَعِبَـرًا فِي صِيَانَةِ الْمَالِ الْعَامِّ وَحِفْظِهِ، وَقَطْعِ السُّبُلِ أَمَامَ الْفَاسِدِينَ دُونَ الِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِ، فَهَذَا عُمَرُ الْفَارُوقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ يُحْصِي أَمْوَالَ وُلَاتِهِ وَعُمَّالِهِ وَيُحَاسِبُهُمْ عَلَى الزِّيَادَةِ غَيْرِ الْمَشْرُوعَةِ فِيهَا. وَكَانَ لَا يَسْتَأْثِرُ مِنْهُ بِشَيْءٍ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ، بَلْ كَانَ يَقُولُ: (وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ـ ثَلَاثًا ـ
مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ إِلَّا لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ أُعْطِيَهُ أَوْ مُنِعَهُ، وَمَا أَحَدٌ بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، وَمَا أَنَا فِيهِ إِلَّا كَأَحَدِكُمْ) [رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى].

أَلَا فَلْنَتَّقِ اللهَ تَعَالَى فِي الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ، وَلْنَعِفَّ عَنْ أَخْذِهَا مِنْ غَيْرِ حِلِّهَا: بِالتَّزْوِيرِ أَوْ الِاخْتِلَاسِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي لَا يَرْضَاهَا اللهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ السُّحْتِ؛ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ « [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ].

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الأَرْبَعَةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالأَئِمَّةِ الحُنَفَاءِ المَهْدِيِّينَ، أُولِي الْفَضْلِ الْجَلِيِّ، وَالْقَدْرِ الْعَلِيِّ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَهَيِّئْ لَهُمَا بِطَانَةً صَالِحَةً تَدُلُّهُمَا عَلَى الْخَيْرِ وَتُعِينُهُمَا عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْـمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت